العقل...التفكير...الاحساس...- بقلم نبيل حاجي نائف -
أن
العقل ( أو الدماغ ) عندما يتعامل مع الأشياء ( أو الأفكار والمفاهيم )
التي هي متعددة ومتنوع بشكل هائل , يسعى إلى ضم المتشابه منها في زمر أو
أصناف . فهذا يمكّنه من خفض عددها وبالتالي يسهّل عليه التعامل معها .
فعندما يجمع كافة أشكال وأنواع كائنات حية معينة في زمرة واحدة , ويكون هذا
حسب صفات وخصائص معينة تحملها كافة أفراد هذه الكائنات . عندها يوحد
تعامله مع هذه الزمرة ( أو الصنف ) حسب هذه الخصائص .
فالعقل دوماً يسعى للاختزال الكثرة والتعدد , بالتصنيف . والتعميم هو نوع من التصنيف ولكنه يشمل بالإضافة إلى الأشياء والمفاهيم , الصيرورة والأسباب . .
والتصنيف له علاقته الهامة بالمعرفة وإطلاق الأحكام , والتصنيف ضروري للعلم . بل إنه أساسي للبقاء في هذا العالم . فإذا لم تصنف الظواهر إلى أنماط عامة فسيكون علينا أن نتعامل مع كل منها على أنها نسيج لوحده , وسيؤدي إلى خلط لا مخرج منه , لذلك أننا لن نستطيع أن نصل إلى أبسط التعميمات.
إن دقة التصنيف ( أو التكميم الجيد للتصنيف ) يكون بخفض درجة التداخل بين البنيات التي يجري تصنيفها , وذلك بتحديد وتعيين الخصائص التي هي مرجع قياس التصنيف , و التي يجب أن تملكها كافة الأشياء التي صنفت تحت اسمها , لكي يسهل تمييزها عن غيرها , وبالتالي يسهل التعامل معها فكرياً . و يجب أن يراعى الهدف الذي وضع من أجله التصنيف.
وهناك طرق وأنواع ودرجات للتصنيف . فهناك أنواع ومستويات مختلفة من البنيات التي يمكن تصنيفها , فتصنيف البنيات الفيزيائية يلزمه التكميم المناسب ذي الدقة العالية جداَ , وهو مختلف عن تصنيف البنيات الاجتماعية والبنيات الاقتصادية , وكذلك مختلف عن تصنيف البنيات الحية والبنيات التكنولوجية أو البنيات الفكرية....
هناك تصنيفين أساسيين:
الأول هو: التصنيف البنيوي , وهو تصنيف البنيات أو الأشياء
والثاني هو: التصنيف الوظيفي وهو تصنيف الأدوار والوظائف لتلك البنيات.
والتصنيف البنيوي يكون أيضاً للخصائص . والخصائص لها علاقة بالوظائف . لذلك هناك علاقة أساسية بين التصنيفين .
ومرجع التصنيف هام جداَ فهو الأساس للتصنيف ، والغاية أو الهدف من التصنيف تقرر طبيعة وخصائص التصنيف . فتصنيف برغي أو عزقة ذات سن فرنسي مع عزقة ذات سن إنكليزي ( مع أنهما من نفس الحجم) لا يسمح باستعمال إحداها بدل الأخرى , وهذا يعني أن التصنيف حسب الحجم فقط لا يكفي ويجب مراعاة ملاءمة شكل وعدد الأسنان أيضاَ . والتصنيف الكيميائي يمكن أن يعتمد فقط على تصنيف العناصر ( الجدول الدوري ) فقط لكي يستفاد منه في شرح وفهم التفاعلات الكيميائية العادية . أما إذا أريد من التصنيف التعامل مع التفاعلات النووية والإشعاعية , فعندها يجب توسيع هذا التصنيف بتصنيف كل عنصر إلى نظائره, فاليورانيوم 235 لا يصلح لصنع القنبلة الذرية , ويلزم النظير 238 . لذلك يجب أن يكون التصنيف مناسباً وفعالاً لتحقيق الهدف منه .
لقد صنف الأقدمون بنيات الطبيعة إلى أربعة عناصر فقط الماء والتراب والهواء و النار , وصنفوا الأشياء إلى جماد وحيوان ونبات , و مادة وروح . وهذه التصنيفات ضعيفة في دقتها أو درجة تكميمها , وغير فعالة في بناء أحكام دقيقة .
إن دقة التصنيف هامة جداً لبناء الأحكام أو التنبؤات أو المعارف الدقيقة .
نأخذ تصنيف الأفعال إلى خير وشر ( وهو تصنيف وظيفي ) إن هذا التصنيف غير دقيق وغير كاف , فالمرجع للخير أو الشر غير محدد وغير معين ولا يحقق الهدف بشكل جيد وفعال, والأفضل منه تصنيف الأفعال إلى مفيد أو ضار أو محايد، وتحديد درجة الإفادة أو الضرر , بالإضافة إلى تحديد الإفادة أو الضرر لمن , ومن قبل من .
وهناك التصنيف الذي يعتمد على الانتماء والتضمن للبنيات , وهو من التصنيفات الهامة والفعالة في بناء المعارف والأحكام . فالتصنيف الذي اتبع في تصنيف أغلب العلوم تم بناءً على الانتماء أو تضمن البنيات لبعضها ( أي التحليل و التركيب ) , فتم البدء بالبنيات الفيزيائية وبتفاعلها مع بعضها تتشكل البنيات الكيميائية والبنيات الفيزيائية المعقدة الأخرى مثل الكواكب والنجوم . ثم تتشكل من البنيات الكيميائية البنيات الفزيولوجية , ثم البنيات الحية , ثم البنيات الاجتماعية , ثم باقي أنواع ومستويات البنيات الأخرى . وفي كل مستوى تكون بنياته متضمنة في المستوى الذي يليه , أي بنيات المستوى الذي قبله . فالبنيات الكيميائية متضمنة في البنيات الفزيولوجية , والبنيات الفيزيائية متضمنة في البنيات الكيميائية .
يجب أن يهتم التصنيف ( البنيوي ) بالوظيفة أو الدور الذي تقوم به البنيات , عند دراسة وضعها كبنية جزئية في بنية أشمل منها . ففي تحديد الدور أو الوظيفة , يتم دراسة وتعيين التأثيرات المتبادلة , وهذه الطريقة من الدراسة والتصنيف توضح وتكشف آليات وطرق الصيرورة والتغير، وبالتالي تشكيل القوانين والنظريات.
ويجب أن يراعي أي تصنيف جيد وفعال , التمييز الواضح بين البنيات الفكرية التي تمثل الأشياء ( أي الهويات أو الأسماء ) من جهة, والبنيات الفكرية التحريكية ( أي الأفعال والآليات والتغيرات ) من جهة أخرى . ويجب أن يميّز بين البنية الجزئية والبنية الشاملة لها , أي منهما البنية الجزئية وأي منهما البنية الشاملة . و يجب كما قلنا أن يحدد في كل تصنيف المرجع والأساس الذي يبنى عليه التصنيف , ويجب أن يحدد الهدف أو الدور ( الوظيفة ) لكل تصنيف , لماذا ولأي غاية نصنف ؟
فمثلاً: يمكن تصنيف السيارات حسب سعرها أو حسب جمالها أو حسب استخدامها أو حسب قوتها أو حسب ماركتها , ...... . فهناك الكثير من طرق التصنيف لنفس النوع من البنيات , وذلك حسب الهدف من هذا التصنيف . وكذلك يمكن أن تصنف الكائنات الحية بطرق كثيرة , وكذلك يصنف الناس , وتصنف الأحكام إلى أحكام قيمة وأحكام واقع , وكذلك تصنف الاستجابات إلى أفعال وإلى أحاسيس . والتصنيف الذي يعتمد على فروق الكميات هو أبسط أنواع التصنيف .
أهمية التصنيف :
إذا كان لدينا عشرة كتب ونريد تصنيفها , فإن هذا سهل جداً لأن أي تصنيف لها سيكون كافياً للتعامل معها بفاعلية وسهولة , ولكن إذا كان لدينا مليون كتاب نريد تصنيفها . كيف نفعل ذلك بحيث نستطيع التعامل بفاعلية وبحيث نستطيع الوصول إلى ما نريد بسهولة وسرعة .
إن هذا حتماً ليس بالأمر السهل, فهنا تظهر أهمية التصنيف الجيد في حالة تنوع وكثرة البنيات التي نتعامل معها ونريد تصنيفها , ونحن نلاحظ الأهمية القصوى لتصنيف المعلومات وطرق البحث عنها على الإنترنت .
طرق التصنيف :
تبقى طريقة التصنيف بنموذج الشجرة ( أصل وفروع ) هي الأكثر استعمالا وفاعلية , والأنسب لعمل العقل البشري . لأنها تناسب آليات عمل العقل , وخاصة ًفي تنظيم و تخزين واسترجاع الأفكار والمعارف . وهذا يظهر أن تخزين الكم الهائل للمعلومات في العقل البشري إذا لم يكن منظماً أو مصنفاً بطريقة نموذج الشجرة أو شبيه بهذا النموذج , لن يحقق فاعلية في استرجاع المعلومات مع أنها موجودة ومخزنة بقوة ووضوح في الذاكرة . فآليات الترابط والتداعي التي يستخدمها الدماغ لا تستطيع الوصول إليها , لاستدعائها إلى سبورة الوعي . إن هذا يشبه تخزين الأشياء في مستودع أو سقيفة بعضها فوق بعض وبشكل عشوائي , فيكون الشيء المطلوب موجوداً ولكن الوصول إليه واستخراجه صعب وشبه مستحيل , وخاصةً إذا كانت هناك أشياء كثيرة متراكمة فوقه , فعندها يفضل شراؤه بدلاً من البحث عنه . وهذا ما يحدث للمعلومات المخزنة في الذاكرة عندما لا تكون منظمة ومصنفة بطريقة مناسبة.
ولكن تصنيف كافة المعارف بنموذج شجرة واحدة يشملها كلها ليس بالأمر السهل , ولابد من عدة نماذج . وهذا راجع لعدم معرفة كافة الترابطات التي تسمح ببناء نموذج وحيد يضم كل تلك المعارف . والشيء الهام أيضاً هو تحديد عدد التفرعات وأماكن وشكل هذه التفرعات في نموذج الشجرة . أي تحديد الترابطات والعلاقات فهذا ليس بالأمر السهل . فهناك آلاف الأنواع من العلاقات والتفاعلات والآليات . وهذا يستدعي وضع نموذج آخر لهذه العلاقات , أي يجب وضع نموذج شجرة للبنيات أو الأشياء , ونموذج شجرة للعلاقات والتفاعلات والوظائف لهذه الأشياء .
وهناك طريقة المعجم في التصنيف , مع أن لها وظيفتها الهامة في تصنيف وتخزين المعارف خارج العقول , فهي غير مناسبة لتخزين واسترجاع المعلومات بالقدرات العقلية فقط , فهي لا تساعد على الحفظ واسترجاع المعلومات الموجودة في الذاكرة.
وهناك طريقة التصنيف التي اتبعتها الموسوعات , ولا بأس بها , فهي اعتمدت تصنيف الشجرة أو الأصول والفروع بالإضافة إلى طريقة المعجم.
و هناك التصنيف عن طريق الخرائط أو الجغرافيا . والمنهج الجغرافي يمكن استعماله حتى بدون استعمال صور, كما في الجغرافيا الاقتصادية أو السياسية..., وذلك باستعمال اللغة والبيانات في توضيح صورة الوضع الإجمالي العام والخاص بالأصول والفروع . وميزات المنهج الجغرافي كثيرة جداً.
وهناك طريقة التصنيف عن طريق البيانات والجداول والمخططات المصورة , والنظرة الشاملة ثم الخاصة بكل فرع أو قسم أو مجال , والتي تظهر العناصر والعلاقات بينها كطريقة لتنظيم وتصنيف المعلومات وتوضيحها . حيث ثبت أنه أكثر فاعلية في توضيح الأمور . فهذه الطريقة تتعامل مع المعارف بطريقة ومنهج فكري بصري ولغوي معاً , لتوضيحها وإظهار العلاقات بينها . باستعمال الصور والبيانات التي تتضمن الكثير من المعلومات والعلاقات التي لا يمكن توضيحها باللغة فقط , بالإضافة إلى أنها توضح خصائصها بشكل أفضل .
لقد كانت الكتب وهي تصنف وتشرح المعارف , تعتمد تصنيف الشجرة أصول وفروع وتضمن وانتماء , أي فصول وأبواب وفقرات وأصبح هذا غير كاف , والآن ظهر الكتاب الإلكتروني الذي يعتمد إظهار العلاقات بشكل أفضل , فهو يعتمد ما يشبه المنهج الجغرافي .
هل هذا كل شيء ؟
طبعاً لا , إن كل ما ذكرنا أصبح غير كاف الآن, فهو يتعامل مع صيرورة الواقع بطريقه السببية العادية البسيطة المختزلة وهي محدودة . وقد نشأت طريقة جديدة أفضل لمعرفة و فهم الواقع وصيرورته, إنها " السيناريو" فهذه الطريقة تتجاوز السببية العادية وتستعمل السببية العامة أو الموسعة , بالإضافة إلى أنها تفتح الخيارات والاحتمالات الممكنة وتعدّدها, وتقارن وتفاضل بينها لاختيار الأفضل والأدق .
وقد كانت الأساطير والملاحم والأديان والعقائد هي السيناريوهات التي وضعها البشر لتفسير وتوضيح الوجود, ونحن دوما نضع سيناريوهات لأغلب ما نصادفه من أوضاع ونتبنى هذه السيناريوهات كأنها وقائع سوف تحدث فعلاً ونتصرف غالباً على أساس ذلك.
فالعقل دوماً يسعى للاختزال الكثرة والتعدد , بالتصنيف . والتعميم هو نوع من التصنيف ولكنه يشمل بالإضافة إلى الأشياء والمفاهيم , الصيرورة والأسباب . .
والتصنيف له علاقته الهامة بالمعرفة وإطلاق الأحكام , والتصنيف ضروري للعلم . بل إنه أساسي للبقاء في هذا العالم . فإذا لم تصنف الظواهر إلى أنماط عامة فسيكون علينا أن نتعامل مع كل منها على أنها نسيج لوحده , وسيؤدي إلى خلط لا مخرج منه , لذلك أننا لن نستطيع أن نصل إلى أبسط التعميمات.
إن دقة التصنيف ( أو التكميم الجيد للتصنيف ) يكون بخفض درجة التداخل بين البنيات التي يجري تصنيفها , وذلك بتحديد وتعيين الخصائص التي هي مرجع قياس التصنيف , و التي يجب أن تملكها كافة الأشياء التي صنفت تحت اسمها , لكي يسهل تمييزها عن غيرها , وبالتالي يسهل التعامل معها فكرياً . و يجب أن يراعى الهدف الذي وضع من أجله التصنيف.
وهناك طرق وأنواع ودرجات للتصنيف . فهناك أنواع ومستويات مختلفة من البنيات التي يمكن تصنيفها , فتصنيف البنيات الفيزيائية يلزمه التكميم المناسب ذي الدقة العالية جداَ , وهو مختلف عن تصنيف البنيات الاجتماعية والبنيات الاقتصادية , وكذلك مختلف عن تصنيف البنيات الحية والبنيات التكنولوجية أو البنيات الفكرية....
هناك تصنيفين أساسيين:
الأول هو: التصنيف البنيوي , وهو تصنيف البنيات أو الأشياء
والثاني هو: التصنيف الوظيفي وهو تصنيف الأدوار والوظائف لتلك البنيات.
والتصنيف البنيوي يكون أيضاً للخصائص . والخصائص لها علاقة بالوظائف . لذلك هناك علاقة أساسية بين التصنيفين .
ومرجع التصنيف هام جداَ فهو الأساس للتصنيف ، والغاية أو الهدف من التصنيف تقرر طبيعة وخصائص التصنيف . فتصنيف برغي أو عزقة ذات سن فرنسي مع عزقة ذات سن إنكليزي ( مع أنهما من نفس الحجم) لا يسمح باستعمال إحداها بدل الأخرى , وهذا يعني أن التصنيف حسب الحجم فقط لا يكفي ويجب مراعاة ملاءمة شكل وعدد الأسنان أيضاَ . والتصنيف الكيميائي يمكن أن يعتمد فقط على تصنيف العناصر ( الجدول الدوري ) فقط لكي يستفاد منه في شرح وفهم التفاعلات الكيميائية العادية . أما إذا أريد من التصنيف التعامل مع التفاعلات النووية والإشعاعية , فعندها يجب توسيع هذا التصنيف بتصنيف كل عنصر إلى نظائره, فاليورانيوم 235 لا يصلح لصنع القنبلة الذرية , ويلزم النظير 238 . لذلك يجب أن يكون التصنيف مناسباً وفعالاً لتحقيق الهدف منه .
لقد صنف الأقدمون بنيات الطبيعة إلى أربعة عناصر فقط الماء والتراب والهواء و النار , وصنفوا الأشياء إلى جماد وحيوان ونبات , و مادة وروح . وهذه التصنيفات ضعيفة في دقتها أو درجة تكميمها , وغير فعالة في بناء أحكام دقيقة .
إن دقة التصنيف هامة جداً لبناء الأحكام أو التنبؤات أو المعارف الدقيقة .
نأخذ تصنيف الأفعال إلى خير وشر ( وهو تصنيف وظيفي ) إن هذا التصنيف غير دقيق وغير كاف , فالمرجع للخير أو الشر غير محدد وغير معين ولا يحقق الهدف بشكل جيد وفعال, والأفضل منه تصنيف الأفعال إلى مفيد أو ضار أو محايد، وتحديد درجة الإفادة أو الضرر , بالإضافة إلى تحديد الإفادة أو الضرر لمن , ومن قبل من .
وهناك التصنيف الذي يعتمد على الانتماء والتضمن للبنيات , وهو من التصنيفات الهامة والفعالة في بناء المعارف والأحكام . فالتصنيف الذي اتبع في تصنيف أغلب العلوم تم بناءً على الانتماء أو تضمن البنيات لبعضها ( أي التحليل و التركيب ) , فتم البدء بالبنيات الفيزيائية وبتفاعلها مع بعضها تتشكل البنيات الكيميائية والبنيات الفيزيائية المعقدة الأخرى مثل الكواكب والنجوم . ثم تتشكل من البنيات الكيميائية البنيات الفزيولوجية , ثم البنيات الحية , ثم البنيات الاجتماعية , ثم باقي أنواع ومستويات البنيات الأخرى . وفي كل مستوى تكون بنياته متضمنة في المستوى الذي يليه , أي بنيات المستوى الذي قبله . فالبنيات الكيميائية متضمنة في البنيات الفزيولوجية , والبنيات الفيزيائية متضمنة في البنيات الكيميائية .
يجب أن يهتم التصنيف ( البنيوي ) بالوظيفة أو الدور الذي تقوم به البنيات , عند دراسة وضعها كبنية جزئية في بنية أشمل منها . ففي تحديد الدور أو الوظيفة , يتم دراسة وتعيين التأثيرات المتبادلة , وهذه الطريقة من الدراسة والتصنيف توضح وتكشف آليات وطرق الصيرورة والتغير، وبالتالي تشكيل القوانين والنظريات.
ويجب أن يراعي أي تصنيف جيد وفعال , التمييز الواضح بين البنيات الفكرية التي تمثل الأشياء ( أي الهويات أو الأسماء ) من جهة, والبنيات الفكرية التحريكية ( أي الأفعال والآليات والتغيرات ) من جهة أخرى . ويجب أن يميّز بين البنية الجزئية والبنية الشاملة لها , أي منهما البنية الجزئية وأي منهما البنية الشاملة . و يجب كما قلنا أن يحدد في كل تصنيف المرجع والأساس الذي يبنى عليه التصنيف , ويجب أن يحدد الهدف أو الدور ( الوظيفة ) لكل تصنيف , لماذا ولأي غاية نصنف ؟
فمثلاً: يمكن تصنيف السيارات حسب سعرها أو حسب جمالها أو حسب استخدامها أو حسب قوتها أو حسب ماركتها , ...... . فهناك الكثير من طرق التصنيف لنفس النوع من البنيات , وذلك حسب الهدف من هذا التصنيف . وكذلك يمكن أن تصنف الكائنات الحية بطرق كثيرة , وكذلك يصنف الناس , وتصنف الأحكام إلى أحكام قيمة وأحكام واقع , وكذلك تصنف الاستجابات إلى أفعال وإلى أحاسيس . والتصنيف الذي يعتمد على فروق الكميات هو أبسط أنواع التصنيف .
أهمية التصنيف :
إذا كان لدينا عشرة كتب ونريد تصنيفها , فإن هذا سهل جداً لأن أي تصنيف لها سيكون كافياً للتعامل معها بفاعلية وسهولة , ولكن إذا كان لدينا مليون كتاب نريد تصنيفها . كيف نفعل ذلك بحيث نستطيع التعامل بفاعلية وبحيث نستطيع الوصول إلى ما نريد بسهولة وسرعة .
إن هذا حتماً ليس بالأمر السهل, فهنا تظهر أهمية التصنيف الجيد في حالة تنوع وكثرة البنيات التي نتعامل معها ونريد تصنيفها , ونحن نلاحظ الأهمية القصوى لتصنيف المعلومات وطرق البحث عنها على الإنترنت .
طرق التصنيف :
تبقى طريقة التصنيف بنموذج الشجرة ( أصل وفروع ) هي الأكثر استعمالا وفاعلية , والأنسب لعمل العقل البشري . لأنها تناسب آليات عمل العقل , وخاصة ًفي تنظيم و تخزين واسترجاع الأفكار والمعارف . وهذا يظهر أن تخزين الكم الهائل للمعلومات في العقل البشري إذا لم يكن منظماً أو مصنفاً بطريقة نموذج الشجرة أو شبيه بهذا النموذج , لن يحقق فاعلية في استرجاع المعلومات مع أنها موجودة ومخزنة بقوة ووضوح في الذاكرة . فآليات الترابط والتداعي التي يستخدمها الدماغ لا تستطيع الوصول إليها , لاستدعائها إلى سبورة الوعي . إن هذا يشبه تخزين الأشياء في مستودع أو سقيفة بعضها فوق بعض وبشكل عشوائي , فيكون الشيء المطلوب موجوداً ولكن الوصول إليه واستخراجه صعب وشبه مستحيل , وخاصةً إذا كانت هناك أشياء كثيرة متراكمة فوقه , فعندها يفضل شراؤه بدلاً من البحث عنه . وهذا ما يحدث للمعلومات المخزنة في الذاكرة عندما لا تكون منظمة ومصنفة بطريقة مناسبة.
ولكن تصنيف كافة المعارف بنموذج شجرة واحدة يشملها كلها ليس بالأمر السهل , ولابد من عدة نماذج . وهذا راجع لعدم معرفة كافة الترابطات التي تسمح ببناء نموذج وحيد يضم كل تلك المعارف . والشيء الهام أيضاً هو تحديد عدد التفرعات وأماكن وشكل هذه التفرعات في نموذج الشجرة . أي تحديد الترابطات والعلاقات فهذا ليس بالأمر السهل . فهناك آلاف الأنواع من العلاقات والتفاعلات والآليات . وهذا يستدعي وضع نموذج آخر لهذه العلاقات , أي يجب وضع نموذج شجرة للبنيات أو الأشياء , ونموذج شجرة للعلاقات والتفاعلات والوظائف لهذه الأشياء .
وهناك طريقة المعجم في التصنيف , مع أن لها وظيفتها الهامة في تصنيف وتخزين المعارف خارج العقول , فهي غير مناسبة لتخزين واسترجاع المعلومات بالقدرات العقلية فقط , فهي لا تساعد على الحفظ واسترجاع المعلومات الموجودة في الذاكرة.
وهناك طريقة التصنيف التي اتبعتها الموسوعات , ولا بأس بها , فهي اعتمدت تصنيف الشجرة أو الأصول والفروع بالإضافة إلى طريقة المعجم.
و هناك التصنيف عن طريق الخرائط أو الجغرافيا . والمنهج الجغرافي يمكن استعماله حتى بدون استعمال صور, كما في الجغرافيا الاقتصادية أو السياسية..., وذلك باستعمال اللغة والبيانات في توضيح صورة الوضع الإجمالي العام والخاص بالأصول والفروع . وميزات المنهج الجغرافي كثيرة جداً.
وهناك طريقة التصنيف عن طريق البيانات والجداول والمخططات المصورة , والنظرة الشاملة ثم الخاصة بكل فرع أو قسم أو مجال , والتي تظهر العناصر والعلاقات بينها كطريقة لتنظيم وتصنيف المعلومات وتوضيحها . حيث ثبت أنه أكثر فاعلية في توضيح الأمور . فهذه الطريقة تتعامل مع المعارف بطريقة ومنهج فكري بصري ولغوي معاً , لتوضيحها وإظهار العلاقات بينها . باستعمال الصور والبيانات التي تتضمن الكثير من المعلومات والعلاقات التي لا يمكن توضيحها باللغة فقط , بالإضافة إلى أنها توضح خصائصها بشكل أفضل .
لقد كانت الكتب وهي تصنف وتشرح المعارف , تعتمد تصنيف الشجرة أصول وفروع وتضمن وانتماء , أي فصول وأبواب وفقرات وأصبح هذا غير كاف , والآن ظهر الكتاب الإلكتروني الذي يعتمد إظهار العلاقات بشكل أفضل , فهو يعتمد ما يشبه المنهج الجغرافي .
هل هذا كل شيء ؟
طبعاً لا , إن كل ما ذكرنا أصبح غير كاف الآن, فهو يتعامل مع صيرورة الواقع بطريقه السببية العادية البسيطة المختزلة وهي محدودة . وقد نشأت طريقة جديدة أفضل لمعرفة و فهم الواقع وصيرورته, إنها " السيناريو" فهذه الطريقة تتجاوز السببية العادية وتستعمل السببية العامة أو الموسعة , بالإضافة إلى أنها تفتح الخيارات والاحتمالات الممكنة وتعدّدها, وتقارن وتفاضل بينها لاختيار الأفضل والأدق .
وقد كانت الأساطير والملاحم والأديان والعقائد هي السيناريوهات التي وضعها البشر لتفسير وتوضيح الوجود, ونحن دوما نضع سيناريوهات لأغلب ما نصادفه من أوضاع ونتبنى هذه السيناريوهات كأنها وقائع سوف تحدث فعلاً ونتصرف غالباً على أساس ذلك.