كيف أتينا إلى الوجود - كامل النجار - عن موقع الحوار المتمدن
منشورات عاشق الحرية | الثلاثاء، 7 يناير 2014 |
منذ أقدم العصور، وعلى الأقل منذ حوالي سبعةآلاف سنة عندما اخترع الإنسان الكتابة وترك لنا مدونات عرفنا منها، أنالإنسان ظل يبحث عن سر وجوده في الحياة وكيف أتى إليها وما هو المصير الذي ينتظره بعد الموت. فنجد مثلاً قبائل البشونغو Boshongo في إفريقيا الوسطى كانوا يعتقدون أن في البدء كان الظلام والماء والإله بومبا Bumba. وفي أحد الأيام كان الإله بومبا مصاباً بألم في معدته، وبدأ يستفرغ ما في المعدة، فخرجت الشمس أولاً. وبعد فترة بخرت الشمس بعض الماء فظهرت اليابسة. ولكن الإله بومبا كان لا يزال يعاني من ألم المعدة والاستفراغ، وخرج من معدته القمر والنجوم وبعض الحيوانات كالنمر والتمساح والسلحفاة، ثم الإنسان.
بينما قبائل الهنود الحمر في أمريكا الوسطى – قبائل المايا- يقولون في البدء لم يكن غير البحر والسماء والخالق. ولكن الخالق شعر بالأسى لأنه لم يكن هناك من يحمده على خلق السماء والبحار، ولذلك خلق الأرض والجبال والأشجار وأغلب الحيوانات. ولكن لأن الحيوانات لا تتكلم ولا تستطيع شكره، قرر أن يخلق الإنسان. في تجربته الأولى خلق الإنسان من طين وتراب، ولكن هذا الإنسان كان يخرج أصواتاً كالحيوانات ولم يكن يعرف الكلام. عندها قرر الخالق أن يترك الإنسان يذوب في الماء، ومن ثم خلق الناس من الخشب، لكنه وجدهم من غير بريق، فقرر قتلهم لكنهم ركضوا إلى الغابات عندما علموا بنيته. ولأنهم كانوا يركضون بسرعة فقد تلف أغلبهم وتحولوا إلى قرود عندما وصلوا الغابة. وأخيراً خلق الإله الناس من الذره الشامي corn الذي يميل لونه إلى الأبيض أو الأصفر. ( نقلاً عن ستيفين هوكنج The Grand Design, p 123).
وكل الحضارات القديمة من مصرية وسومرية وإسكاندنيفية وإغريقية، وغيرها، أتوا بقصص مماثلة حاولوا من خلالها تعليل كيفية وجود الإنسان في الحياة ودور الآلهة في إدارة تلك الحياة. وكل هذه الأساطير قد ماتت مع تقدم العلم الحديث. فكيف جاء الإنسان إلى الحياة؟ وهل هناك إله خالق خلقه بيديه أو قال له كن فكان؟
غالبية علماء ومثقفي العالم اليوم يؤمنون بنظرية البج بانج ونظرية الارتقاء لدارون. ولكن العلم يخبرنا أن البج بانج عندما حدث وانتشر الكون في أقل من ثانية إلى أبعاد شاسعة، لم يكن به من المادة غير غاز الهيدروجين، وقليلٌ من غاز الهيليوم وأثراً من الليثيوم.
والسبب في ذلك هو أن غاز الهايدروجين هو أبسط الغازات تكوينا إذ أن الذرة منه atom تحتوي على بروتون واحد ونيوترون واحد، وفي بعض الحالات اثنين. وغاز الهيليوم تحتوي نواته على اثنين من البروتونات واثنين من النترونات، وقد نجم من اختلاط ذرتين من الهايدروجين انتجا ذرة واحده من الهيليوم. وعندما اختلطت ذرة من الهيليوم مع ذرة من الهيدروجين، نتج عنها الليثيوم الذي تحتوي ذرته على ثلاثة بروتونات. وهذا يكاد أن يكون القانون في كل الأشياء عندما تتكون فتبدأ بالأبسط ثم الذي يليه في المرتبة.
وكما قلنا في المقال السابق عن الكون إن الأرض بدأت تتكون قبل 4.6 بليون سنة، غير أنها كانت كتلة منصهرة في درجة حرارة عالية لا تسمح بالحياة. وتدريجياً بردت قشرة الأرض وترسبت بها المياه لتكون المحيطات، ولكن على مدى ملايين السنين لم تظهر بها أي علامات حياة. والسبب في ذلك هو أن الهايدروجين والهيليوم ليسا كافيين لبدء الحياة. كل الخلاليا تحتاج إلى الكربون في تكوينها. والكربون يحتوي على ستة بروتونات هايدروجين في النواة، ولا يمكن تكوينه من الهيليوم في درجة حرارة منخفضة. لكي يتكون الكاربون نحتاج إلى درجة حرارة عالية جداً قد تصل إلى مائة مليون درجة على مقياس كيلفن. وهذه الدرجة من الحرارة لا يمكن الحصول عليها إلا في داخل نجم أكمل حياته وبدأ يتقلص على نفسه فترتفع حرارته إلى ملايين الدرجات. في مثل هذه الحرارة يتكون الكربون وبقية المواد الثقيلة التي تحتاجها الخلية. ولكن كيف ننقل هذا الكربون من داخل النجم المحترق إلى بقية الكواكب؟ الإجابة أتى بها عالم الفيزياء الإنكليزي فريد هويل Fred Hoyle في الخمسينات من القرن المنصرم عندما قال إن النجم المحترق إذا كان ضخماً فقد ينفجر ويصبح سوبرنوفا. هذا الانفجار العظيم ينشر الكربون في الفضاء الجوي، والكواكب التي تتكون بعد انفجار السوبرنوفا تحتوي على الكربون والمواد الثقيلة الأخرى بالإضافة إلى الهيدروجين والهيليوم.
لكي تتكون خلية حية فإنها تحتاج إلى كربون وهايدروجين وأوكسجين ونيتروجين وقليل من الكبريت والكالسيوم والفوسفات. وجميع هذه المواد أصبحت متواجدة في الغلاف الأرضي بعد أن بردت الأرض وتكونت بها المحيطات. اجتماع هذه المواد في الماء أدى إلى خلق بكتريا تتكون من خلية واحدة. وتأكيداً لهذه النظرية فقد استطاع الباحث الأمريكي كريغ فنتر من تجميع هذه المواد في أنبوب في المختبر وانتج منها كروموزوم وقام بزراعته في خلية بكتريا فارغة بعد أن أخرج كل محتوياتها. وراقب تلك الخلية لعدة أسابيع إلى أن ملأت الغلاف وبدأت تتكاثر مثلها مثل البكتريا الطبيعية. فالبروفسور فنتر لم يحتج إلى قوة ميتافيزيقية ولا إلى أن ينفخ الروح في البكتريا الجديدة. هي بنفسها كوّنت نفسها.
والمهم في البكتريا أنها يمكن أن تعيش بدون أوكسجين وتتنفس أي غاز يوجد حولها. فقد أكتشف العلماء حديثاً في جزر البهاما كهوفاً مائية عمقها حوالي 300 قدماً ومملوءة بماء البحر. هذه الكهوف ليس بها ذرة من الأوكسجين ومليئة بغاز ثاني أوكسيد الكبريت Sulpher dioxide. هذا الغاز يقتل الإنسان في ثواني ولكن البكتريا في تلك الكهوف تعيش عليه.
وزيادة على ذلك فإن هذه المواد تتجمع في الفضاء الكوني وتكوّن حوامض الأمينو Amino acids التي تتكون منها البروتينات. ففي سبتمبر 1969 ارتطم جسم سماوي بالأرض في أستراليا في منطقة Murchison شمال ملبورن. وجمع الأهالي حوالي 90 كيلوجراماً من بقايا هذا الميتيورايت meteorite. حدث هذا في نفس الوقت الذي رجع فيه رواد الفضاء الأمريكان بعينات من صخور القمر. وعندما حلل العلماء ذلك الجسم وجدوا أن عمره 4.5 بليون سنة، أي نفس عمر الأرض تقريباً. ووجدوا أنه يحتوي على 74 نوعاً من حوامض الأمينو (بل برايسون، ص 356). وتحليل صخور القمر أثبت أن بها أمينو أسد و بوليمرز، وهي ملوكيولات molecules تجمعت مع بعضها في سلسال. والسكريات كذلك تتجمع في الفضاء لتكون نشويات. وقد دفع هذا الاكتشاف بعض العلماء إلى القول إن بذور الحياة أتت إلى الأرض من الفضاء عبر الأجسام السماوية ووجدت الظروف مواتية للحياة فنمت الحياة على الأرض. ويسمي العلماء هذه العملية panspermia
ظهرت البكتريا بمجرد أن برد سطح الأرض ولكن على مدى بليونين من السنين ظلت البكتريا تعيش في المحيطات وتتنفس الغازات الموجودة في الماء وتفرز الأوكسجين كفضلات. وبالتدريج ارتفعت نسبة الأوكسجين في الماء وفي الجو حول الأرض مما أتاح الفرصة لنشوء حياة أكثر تعقيداً من البكتريا.
لأن الأجسام المتحركة ترتطم ببعضها البعض، يقدر العلماء أن اثنين من البكتريا اصطدما ودخلت إحداهما في الأخرى أو ابتلعتها الأخرى وتوقف نموها وأصبحت جزءاً غير متحرك من البكتريوم الأولى. وبالتدريج انصهرت هذه البكتريوم في جسم الأولى وكونت ما يُعرف الآن ب المايتوكوندريوم mitochondrium الذي أصبح مصدر الطاقة للبكتريوم الأولى، وهو المكان الذي تجري فيه جميع العمليات الكيماوية. ولكن هذه المايتوكوندريم تحتفظ بحوامضها النووية المختلفة عن البكتريوم الذي يحتويها، كما تحتفظ بالمسنجر دي ان آى الخاص بها messenger DNA، مما يدل على أنها كانت بكتريوم مختلف
واستمرت هذه البكتريا كما هي لملايين السنين. وبما أن البكتريا تتوالد بالانشطار ، يحدث بعد كل مليون عملية انشطار اختلاف بسيط في ترتيب حوامض الأمينو أسد فيظهر مخلوق مختلف يُقال عنه mutant. أغلب هذه الميوتانت تموت ولكن بعضها يكون أكثر قابلية للتأقلم مع الظروف السائدة، فينتشر بسرعة. ونتيجةً لهذا التغيير ظهرت حيوانات أخرى ذات خلية واحدة ولها نواة nucleus مثل الأميبا. هذه الأميبا تحتوي على 400 مليون معلومة عن الجينات genetic information. والأميبا كذلك تتوالد بالانقسام. وتدريجياً، وبعد حوالي بليون سنة التحمت بعض هذه الخلايا مع خلايا أخرى مماثلة ونتج عن ذلك حيوانات ذات خليتين أو أكثر. وبما أن هذه المكروبات تتوالد بالانقسام ويحدث بها ميوتانت، فقد ظهرت نتيجةً لهذا الاختلاف حوالي 30800 نوع من الأميبا و26900 نوع من الألغي.
وبعد ملايين من السنين ظهر ما يُعرف ب trilobites أي الحيوانات الصغيرة ذات الثلاثة فصوص: رأس وصدر وذنب. وهناك اليوم في متحف التاريخ الطبيعي بلندن 20 ألف نوع من هذه الثلاثيات، كلها متحجرة. ويقدر العلماء أنها ظهرت قبل 540 مليون سنة وعاشت حوالي 300 مليون سنة قبل أن تنقرض. ونتيجةً لتواجد الميوتانت فيها فقد ظهرت بعد ذلك حيوانات تُسمى profallotaspis وهي تشبه الأسماك. لها أطراف وخياشيم وأعصاب ودماغ صغير جداً ولها عيون يتكون داخلها من أعمدة صغيرة من الكالسايت calcite (الصخور الرملية). وتُعتبر هذه العين البدائية أول نوع من العيون. وبالطبع تطورت تلك العين البدائية إلى أن وصلت إلى مستوى عيوننا الآن.
في العام 1909 وبالصدفة اكتشف الأمريكي ولكوت Walcott منطقة معينة في أحد الجبال في كندا تعرف الآن باسم Burgess Shale في مقاطعة كولومبيا البريطانية تحتوي على حوالي 40 ألف نوع من الحيوانات البحرية المدفونة في منطقة رخوة من ذلك الجبل. يرجع عمر هذه الحيوانات إلى 500 مليون سنة. بعض هذه الحيوانات كان لها قشرة خارجية shell وبعضها كان لها خمسة عيون وبعضها بلا عيون بالمرة. من هذه الحيوانات كان هناك حيوان سماه العلماء Opabinia كانت له خمسة عيون وأنف كأنف الخنزير ومخالب في أطرافة. كل هذا حدث نتيجة الأخطاء التي تحدث في الانشطار وتؤدي إلى ظهور الميوتانت الذي ينمو مختلفاً على سابقيه. من هذه الميوتانت وجدوا حيوان يُعرف باسم Pikaia gracilens وهو أول حيوان ظهر له عمود فقري. وأغلب الحيوانات في ذلك الوقت كانت تتكون من طبقتين من النسيج العضوي وكل الحيوانات اليوم تتكون من ثلاث طبقات.
مع مرور الملايين من السنين تطورت تلك الحيوانات البحرية الصغيرة وكبر حجمها وظهرت بينها حيوانات مفترسة مثل سمك القرش. بعض الحيوانات البحرية بدأت تجازف وتهرب من الماء إلى اليابسة، ولكن كان عليها أن تتعلم أن تتنفس الأوكسجين مباشرةً بدل أخذه من الماء. وطبعاً التحول استغرق ملايين السنين وظهرت حيوانات برمائية تستطيع أن تعيش في الماء وفوق اليابسة.
تلك الحيوانات التي تعلمت العيش على اليابسة استفادت من نسبة الأوكسجين العالية في الجو في ذلك الوقت إذ بلغت 35% فنمت الحيوانات بسرعة فائقة وبأجسام ضخمة. في مثل هذه الظروف ظهرت الديناصورات واستعمرت اليابسة على مدى ملايين من السنين. ثم انقرضت الديناصورات بفعل ارتطام أجسام سماوية meteorites بالأرض أو لسبب آخر، وخلا الجو لحيوانات أصغر حجماً وأكثر ملاءمة للعيش بالظهور
كل الحيوانات من أسماك وسمك القرش والديناصورات والطيور وغيرها، كلها تشترك في أن لها أربعة أطراف وفي نهاية كل طرف توجد 5 أصابع. الطيور جعلت من أطرافها العليا أجنحة. وإذا شرّحنا جناح الطير نجد به نفس عظام ذراع ويد الإنسان، أي عظم الذراع ثم عظمين في الساعد ثم 8 عظام صغيرة في مفصل الرسغ ثم عظام اليد. ونفس الشيء نجده في الزعانف الأمامية لسمك القرش والسمك العادي. وهذا يدل على أن جميع الحيوانات تكونت من جد أعلى واحد. يقسّم العلماء أصل الحيوانات إلى أربعة أقسام رئيسية اعتماداً على عدد الثقوب الموجودة بالجمجمة. هذه الأقسام هي: Synapsids ولها ثقب واحد، ثم Diapsids ولها ثقبان، ثم Anapsids ثم Eurapsids. الأنابسد تطورت إلى سلاحف، والديابسد تطورت إلى أربعة أقسام، قسم منها أعطى الديناصورات، وقسم أعطى الثدييات Mammals. 99% من هذه الحيوانات البدائية انقرض ولم يبق منها إلا التي تأقلمت واستطاعت أن تُنمّي جيناتها لتوائم طبيعة المنطقة التي تعيش بها.
الثديات انقسمت إلى عدة أقسام منها القرود. وفيما بعد تطور نوع من القرود إلى Apes وبعد مرور ملايين السنين تفرّع من ال Apes الشمبانزي والإنسان البدائي. وظهر الإنسان البدائي أولاً في إفريقيا. وقد عثر علماء الأنثروبولوجي على جمجمة إنسان في صحراء تشاد يرجع عمرها إلى أربعة ملايين من السنين. أما أول هيكل عظمي شبه كامل كان هو هيكل لوسي الذي عُثر عليه في الحبشة وقدّر العلماء عمره بحوالي 3 مليون سنة، يزيد أو ينقص قليلاً. وقد أثبت هيكل لوسي أن الإنسان مشى على قدمين بينما كل الحيوانات الأخرى تمشي على أربعة. وما زال الإنسان المعاصر يحمل في داخله جزءاً من الهيكل العظمي الذي ينمو منه الذنب. وما زلنا نحمل نفس الجين الذي يُنبت الذنب في القرود غير أن هذا الجين معطل في الإنسان. وأكثر من 98% من جيناتنا مشتركة مع الشمبانزي مما يُثبت أننا انحدرنا من جد واحد. والفرق بين حمار الوحش zebra والحصان في الجينات أكبر من الفرق بيننا والشمبازي.
منشور بقسم
فلسفة وعلوم