ثورة الناموس أم انتفاضة على الاستعمار الاسباني وخدامه المحليين؟ (المصدر: أوطم لجنة المعتقل)
الجماهير الشعبية بالشليحات تنتفض والنظام يشن عليها عمليات قصف جوية باستعمال القنابل المسيلة للدموع والغازات السامة، و أخرى عسكرية برية واسعة النطاق مرتكبا مجزرة دموية رهيبة أسفرت عن مأساة إنسانية رهيبة.
بمدينة العرائش، توجد بلدة تدعى الشليحات، معروفة بأراضيها الفلاحية الخصبة والممتدة على مساحة تقدر بآلاف الهكتارات تستغل في إنتاج الخضر والفواكه و العديد من المنتوجات الزراعية الأخرى، هذه البلدة تابعة ترابيا لجماعة زوادة القروية، معظم ساكنتها فلاحين فقراء وأجراء زراعيين في شركات استثمارية استعمارية حطت رحالها منذ سنوات طوال، لاهثة وراء الربح ومراكمة رؤوس الأموال فوق أراضي انتزعت من أصحابها الفعليين الذين صاروا عبيدا أجراء لدى مستعمرين دخلاء بمباركة محليين عملاء.
• للانتفاضة أرضية صلبة لا ينكرها إلا مجرم عميل أو مستعمر دخيل:
قبل ومع الاستعمار المباشر للمغرب، استهدفت أراضي الفلاحين الفقراء من طرف المعمرين و الخونة ليتم السيطرة على معظم السهول والسهوب الخصبة وطرد أصحابها وتهجيرهم نحو المناطق الجبلية و الصحراوية، واستمرت نفس السياسة - سياسة مصادرة الأراضي - مع الاستعمار الجديد الذي واجه بالرصاص الحي والدبابات انتفاضات الفلاحين الفقراء الذين طالبوا باسترجاع أراضيهم المنهوبة أو المفوتة إلى العملاء و الشركات الاستثمارية الكمبرادورية و الإمبريالية، ونستحضر هنا انتفاضة فلاحي اولاد خليفة بالقنيطرة في بداية السبعينيات كنموذج، التي خلفت المئات من الشهداء والمعتقلين السياسيين في صفوف المنتفضين، وكذلك معركة أهالي إيـﯕـلي بميسور سنة 2010 ضد مافيا العقار التي نهبت ألاف الهكتارات من أصحابها بمباركة النظام، نفس الوضع لا زال قائما في مجموعة من مناطق المغرب.
منطقة الشليحات تعاني نفس الاستهداف، فمنذ بسط نفود -"نظام الحماية" بالمغرب- أدخل الاستعمار الإسباني معظم الأراضي المحيطة بنهر اللوكوس تحت سيطرة شركاته (واللوكوس هو اسم شركة استعمارية إسبانية)، هذه الشركات الاستثمارية اشتغلت في مجالات متعددة (شركة "لوكال" في الرمال، شركة "أﯕرومروان" في الحوامض...)، هذه المجموعة الاستثمارية العملاقة كان يديرها شخص إسباني يدعى "ﯕومونديو" و عدد العاملين فيها تعدى 6000 فردا إلى حدود 1986، ونتيجة لمطالبة العمال بالترسيم و التغطية الصحية والاجتماعية والقانونية والتقليص من ساعات العمل ورفع الأجور وتحسين الوضعية بشكل عام، ستعلن هذه الشركات عن "إفلاسها" كذريعة لتسريح العمال وستظل مغلقة الأبواب إلى حدود نهاية التسعينات (1998)، بعدها سيتم إنشاء شركة "ريـﭭـيراداروز" تابعة لنفس المجموعة التي ستنهب حوالي 7000 هكتار من الأراضي الفلاحية المتاخمة لدوار الشليحات و السحيسحات... و ذلك بمساعدة قمعية وضمانة "قانونية" من قبل النظام القائم بالمغرب تحت مسميات واهية (من قبيل: عقد إيجار أو اتفاق فوتت بموجبه آلاف الهكتارات لشركات مجهولة الإسم سنة 1998 !!!) و ذلك في إطار سياسة "الشريك المتقدم للاتحاد الأوروبي" و"المغرب الأخضر". هذه الشركة الأخيرة تخصصت في "زراعة الأرز" لا غير !!! و ما يثير الغرابة أن عدد العمال المشتغلين بها لا يتعدى 12 فردا من ساكنة الدوار (منهم سائقين و 6 حراس و 4 أعوان) وبضع العشرات من الفتيات معظمهن قاصرات يشتغلن في جني منتوج الأرز لمدة 12 ساعة يوميا وأقدامهن حتى حزامهن مغمور في حقول الأرز المليئة بالماء، مقابل ثمن لا يتعدى 40 درهم في اليوم، ناهيك عن المعاناة النفسية والجسدية والتحرشات الجنسية وما يلاقيهن من امتهان بغيض لكرامتهن من قبل أرباب الشركات والضيعات، في حين نجد حوالي ألف من الشباب القادر على العمل يعيش حياة البطالة المزمنة و منزويا في ركن المنزل، منتظرا قدوم أخواتهن القاصرات لتمده وباقي أفراد الأسرة (ما بين 6 و 9 أفراد في كل أسرة) بدراهم معدودة لضمان لقمة الخبز الحافي.
هذا الوضع الاجتماعي والاقتصادي المزري تنضاف إليه آثار سلبية تخلفها زراعة الأرز، لمدة تفوق 10 سنوات، على خصوبة الأراضي، علاوة على معضلة خطيرة حولت حياة الساكنة ومواشيها إلى جحيم يومي وموت مرتقب تتجلى في انتشار كثيف لحشرة (غريبة) سامة وقاتلة والتي تتكاثر بسرعة مهولة بسبب زراعة الأرز منغصة طعم حياة الساكنة مسببة إلى حدود الآن أمراضا مزمنة (أمراض الجلد و العيون) كما حولت أجساد الأطفال الصغار وحتى الكبار إلى بقع سوداء، أما المواشي فهي سائرة في طريق الانقراض نتيجة اللسعات المميتة من طرف الحشرة المذكورة، مما تضطر الساكنة إلى استعمال "البطانيات" لتغطي بها الأبقار و الأغنام و البهائم داخل الإسطبلات، في غياب كلي للمستوصفات الصحية للإنسان أو الحيوان.
إذن، فجوهر المسألة يكمن في استيطان الشركات المتعددة الجنسيات الإمبريالية بمباركة النظام القائم لأراضي الفلاحين الفقراء، الشيء الذي جعلهم عرضة للفقر المدقع والبطالة والتشرد وحولت حياتهم إلى أناس يفتقدون لأبسط مقومات العيش الكريم (تعليم، صحة، سكن، شغل، خدمات اجتماعية، بنيات تحتية...إلخ). هذه الإشكالات العويصة والمعاناة المريرة شكلت وقود الانتفاضة التي اشتعلت في شهري أبريل وماي من هذه السنة، وتفجرت بشكل قوي منذ 14 يونيو إلى حدود الآن، كانتفاضة شعبية ضد الاستعمار وعملائه المحليين المسؤولين عن معاناة وآلام شعبنا المغربي العظيم.
• انتفاضة 14 يونيو المستمرة، فجرها فلاحون فقراء صودرت أراضيهم:
لم تتوانى ساكنة الشليحات ونواحيها منذ السابق عن المطالبة باسترجاع أراضيها المستلبة وتوفير ظروف إنسانية للعيش الكريم لأبنائها وبناتها، لكن استمرار النظام في نهجه سياسة التجاهل حينا و القمع الدموي أحيانا كثيرة المسلط على جماهير الفلاحين العزل الذين ضاقوا ضرعا من سياسات لا شعبية تهدف بالأساس إلى إقبار قضيتهم - قضية استرجاع الأراضي المنهوبة من قبل الاستعمار وعملائه المحليين- و إسكات الأصوات المنادية بحقوقها، وانسجاما وطبيعته الدموية سيعمل النظام الرجعي منذ صبيحة الخميس 14 يونيو على تطويق منطقة الشليحات والدواوير المجاورة لها بإغلاق محكم لمنافذها وذلك بإحضار العشرات من سيارات قوى القمع لتشديد الحصار وزرع الرعب والإرهاب على نمط الصهاينة كمدخل أساسي لارتكاب مجزرة فظيعة ضد سكان قرويين عزل رفضوا الانصياع لأوامر الاستعمار وخدامه المحليين.
و أمام إصرار بطولي من لدن الجماهير الكادحة و تشبثها بأرضها ومطالبها العادلة والمشروعة، سيعطي النظام الضوء الأخضر لأجهزته القمعية لسحق "الأوباش" و"المشاغبين" كما سماهم الحسن السفاح في انتفاضة 84 والذين يقدر عددهم بأكثر من 2500 نسمة مستعملا عمليتين موازيتين، عمليات جوية بالهليكوبترات توزع على الشيوخ والنساء الحوامل والرضع والأطفال الصغار قنابل مسيلة للدموع وغازات حارقة، وأخرى عسكرية برية تقتحم المنازل والخيمات وتهشم رؤوس نساء وشيوخ تجاوز عمرهم سن الثمانين.. مسببين لهم في عاهات مستديمة (كحالة الشاب جمال بنحميدة ذو ال 17 سنة، وأب لابنة صغيرة والمعيل الوحيد لأسرتين تتكونان من 9 أفراد، يعمل بمدينة أكادير، فقد عينه اليسرى بواسطة قنبلة مسيلة للدموع ومزيلة للعيون أيضا !!)، ومجموعة من النساء أجهضن جراء التعذيب والإرهاب النفسي، أما الفتيات - خاصة القاصرات- فقد شكلن فريسة سمينة بالنسبة لجحافل القمع الوحشي، فالعديد منهن تعرضن للاغتصاب داخل منازلهن وتمرغت كرامتهن تحت أقدام عناصر القمع وسمعن أبشع الألفاظ النابية من هذه الأخيرة التي لديها حصانة قائدها الأعلى "أمير المؤمنين"، "ملك الفقراء". لكن بالرغم من الترسانة القمعية الرهيبة والتعزيزات التي توافدت على المنطقة على مدى 5 أيام متتالية، رسمت الجماهير الشعبية لوحة بطولية في الصمود والتضحية و إصرار وتشبث حقيقيين بأراضيها التي تمثل المورد الوحيد لضمان ما يسد رمقهم.
• لجنة المعتقل إلى جانب مجموعة من الإطارات في قافلة تضامنية لفك الحصار وإخراج المجزرة/المأساة إلى الرأي العام كما مورست من طرف النظام:
انسجاما و مضمون لجنة المعتقل، كلجنة ذات مضمون نضالي كفاحي، وتبنيها لقضايا وملفات الجماهير الشعبية ومساهمتها في معاركهم النضالية وتجذيرها والعمل على تطويرها ودفعها إلى الأمام، بناء على هذا الأساس حضرت لجنة المعتقل في إطار القافلة التضامنية ل 20 يونيو 2012 التي انطلقت قرب جماعة زوادة القروية في اتجاه بلدة الشليحات و كل المشاركين على علم ودراية بأهمية الخطوة في العلاقة مع الجماهير الشعبية التي تعرضت لمجزرة رهيبة على أيادي الهمجية، مع استحضارنا أيضا لإمكانية الاستهداف القمعي الذي قد يطال الخطوة، ونحن على بعد كيلومترات قليلة من دخول البلدة شاهدنا في إحدى الغابات المجاورة المئات من الشباب يراقب عن كثب كل القادمين، فقررنا الذهاب في اتجاههم للتواصل مع هؤلاء الشباب المحصن في الغابات، الذي تعرض للتعنيف والتعذيب نتيجة المواجهات الدامية مع القوى القمعية، الشيء الذي أدى بهم إلى الانسحاب إلى الغابات المحاذية للمنطقة تفاديا للاعتقال وكذا رص الصفوف ورصد أي هجوم آخر قد يشنه النظام على الأهالي المرابطة بالمنازل، هذا الشباب المناضل والمدافع الذي صمد طوال الانتفاضة بعزيمة قوية إلى جانب أهاليهم دفاعا عن أراضيهم وتصديا لبطش النظام الدموي، 5 أيام من الصمود والقتالية دون أكل أو شراب أو مأوى في تنقل مستمر في شكل مجموعات منتظمة متراصة وآثار التعذيب والإصابات والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي وخراطيم المياه الساخنة وهراوات وعصي القمع بادية على أجسادهم الصلبة التي وقفت متراسا منيعا في وجه الآلة القمعية. و بعد دردشات و نقاشات معهم في وسط الغابة هدفها كان هو رفع معنوياتهم و التخفيف من معاناتهم التي سببها لهم النظام، قرروا الدخول معنا إلى الدوار في تظاهرة تنديدية بالقمع المسلط على الجماهير الشعبية هناك. وفور وصول الخبر إلى الأهالي، خرجت الأمهات والآباء لاستقبال أبنائهم الذين لم يعرفوا مصيرهم لمدة فاقت الخمسة أيام. وللإشارة لازال العديد من الشباب مجهول المصير لحدود الآن، تعذر علينا إيجاد أماكن تواجدهم، فبعد معانقة الأهالي لأبنائهم، استمرت المسيرة التنديدية باتجاه الأرض المسلوبة، رافعين شعارات ثورية ومنددة بالإبادة التي ارتكبها النظام بدم بارد في حق فقراء عزل، و في المكان الذي دارت به مواجهات طاحنة بين قوى القمع من جهة وجماهير الفلاحين، ألقيت كلمة القافلة التضامنية ثم كلمة لجنة المعتقل التي نددت بقوة بالمجزرة المرتكبة من طرف النظام اللاوطني اللاديمقراطي اللاشعبي في حق أهالي الشليحات والدواوير المجاورة لها، كما أكدت على عدالة ومشروعية المطالب الساكنة التالية:
- إرجاع كافة الأراضي المنهوبة، غير منقوصة شبرا واحدا لأصحابها الفعليين؛
- الطرد الفوري لمجموع الشركات الاستثمارية الاستعمارية بالمنطقة (نموذج شركة "ريـﭭـيراداروز")؛
- توفير فرص الشغل لكافة الشباب القادر على العمل دون قيد أو شرط؛
- بناء مستشفيات ومدارس و شبكات طرقية وكهربائية وتوفير الماء الصالح للشرب والربط بقنوات الصرف الصحي وذلك بشكل فوري و مجاني؛
- إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والذي يقدر عددهم إلى حدود الآن 20 معتقلا سياسيا، من بينهم امرأة وقاصر والذين سيحالون على "محكمة الاستئناف بطنجة" يوم 26 يونيو 2012؛
- رفع المتابعات في حق أبناء الساكنة فورا؛
- رفع الحصار العسكري والإعلامي والغذائي بشكل فوري؛
- تحمل النظام المسؤولية الكاملة في عودة كافة الشباب المهجرين والمحاصرين في أعماق الغابات المجاورة والمناطق البعيدة والحرص على سلامتهم؛
- الكشف الفوري عن مجهولي المصير، ومن بينهم فتاة؛
- الرفع الفوري للمراقبة القمعية المضروبة على الطريق المؤدية لمستشفي المدينة، مع تحمل النظام المسؤولية في مصاريف العلاج الطبي لكل المصابين و المعطوبين وذوي العاهات المستديمة... جراء الجريمة المرتكبة من طرف قوى القمع؛
- إيجاد حل جذري و فوري لمشكل الحشرة القاتلة التي حولت حياة ساكنة المنطقة إلى كابوس مرعب؛
- إرجاع كافة الممتلكات المسروقة والتعويض عن الممتلكات المخربة (منازل، دكاكين، أفرنة تقليدية، مواد غذائية، حلي، تعبئات الهواتف النقالة، علب السجائر من مختلف الأنواع، حقول الدلاح والبطيخ، والمحاصيل الزراعية المعيشية التي تعرضت للإتلاف أو لإضرام النار من قبل قوى القمع...إلخ)؛
- تحمل "وزارة التربية الوطنية" والنظام بشكل عام المسؤولية الكاملة في مصير تلاميذ السنة السادسة ابتدائي والتاسعة إعدادي الذين حرمتهم قوى القمع من اجتياز الامتحانات الإشهادية موسم 2011-2012.
- ....إلخ
إن ما سجلناه، كلجنة المعتقل، من خلال معاينتنا الميدانية المباشرة، حول منطقة الشليحات المنتفضة من أعمال إجرامية خطيرة ارتكبها النظام القائم بالمغرب منذ صبيحة الخميس 14 يونيو 2012 إلى يومنا هذا في حق شيوخ ونساء حوامل وشباب وفتيات وأطفال صغار، لهي إبادة جماعية استهدفتهم وفق مخطط منظم شارك في صياغته وتنفيذه النظام ومجموعة من القوى السياسية الموالية له إلى جانب مسؤولي الشركات الاستعمارية بالمنطقة، مما أسفر على إنتاج مآسي إنسانية حقيقية، ولازالت خيوط المخطط التآمري لم تكشف كلها بعد.
و في الأخير، نحيي الجماهير الشعبية بالشليحات والمنطقة ككل على صمودها وتحديها للنظام و أسياده، كما ندعو مجموع المناضلين الشرفاء بالمنطقة إلى تحمل المسؤولية الكاملة في التواجد إلى جانب أهالي المنطقة والعمل على ضمان استمرار الانتفاضة وتطوير الأشكال النضالية بمعية المعنيين بالأمر الحقيقيين رافضين كل أشكال الاسترزاق السياسي الذي طال وقد يطال المعركة في تطورها.