تقرير مُخبر بروسي عن كارل ماركس
منشورات عاشق الحرية | الأربعاء، 1 يناير 2014 |
تسنى لمخبر بروسي في العام 1853, تحت ذريعة خادعة الدخول إلى بيت ماركس في دن سترت, والتقرير الذي كتبه لحكومته, بصرف النظر عن الملاحظات الشخصية المشكوك فيها, و الإشاعات التي جمعها من كل مكان, تقرير جدير بالاهتمام, فهو يصف بشكل دقيق الحالة السكنية البائسة التي كان يعيشها ماركس آنذاك:
"قائد هذا الحزب (الحزب الشيوعي) هو كارل ماركس, مساعدوه هم : أنجلس في مانشيستر (...), فراليجرات وفولف, يدعى أيضاً لوبوس, في لندن, هاينه في باريس, فايديماير وكلوس في أمريكا. أما بيرجرس ودانيال فقد كانا في كولونيا, وفيرت في هامبورغ. كل هؤلاء هم أعضاء عاديون, لكن العقل المبدع والفاعل, روح الحزب هو ماركس. لذا أريد أن أعرفكم على شخصيته عن قرب:
ماركس متوسط القامة, عمره 34 سنة, بدأ الشيب يخط شعره رغم عمره الفتي. بنيته قوية, ملامح وجهه تذكر كثيرا بسيزمر (Szemere) (ثوري هنغاري), لونه فقط أكثر سمرة, شعره أسود وكذلك لحيته, وهذه الأخيرة لا يحلقها البتة.
لعينيه الناريتين النافذتين, عينيه السوداوين الكبيرتين شيء ما جني ساحر, يلاحظ المرء من اللحظة الأولى عبقريته وطاقته الهائلة. تفوقه العقلي والروحي يمارسان قوة جذابة لا تقاوم على محيطه. مهمل للغاية في حياته الخاصة. إنسان ساخر, مدبر سيء لأمور البيت, يعيش حياة غجرية حقيقية. (Il mene une vie a la bohemian de l intelligence).
غسيل, تمشيط, تبديل ملابس من المسائل النادرة عنده. ينتشي بمتعة, يسترخي مراراً أياماً بطولها, لكن إذا كان لديه عمل كثير فيعمل ليلاً نهاراً بدأب وبلا. لا يوجد عنده أوقات محددة للنوم والاستيقاظ. كثيراً ما يبقى ليالي بطولها دون نوم, ثم يستلقي ظهراً بكامل ثيابه على الكنبة وينام حتى المساء غير مهتم بما يجري حوله بحرية من حركة دخول وخروج.
زوجته هي أخت الوزير البروسي فون فستفالن. امرأة مثقفة ولطيفة جداً.ومن جرّاء حبها لزوجها, اعتادت على حياة الغجر هذه, وتآلفت مع هذا البؤس الذي تعيشه مع زوجها. لها طفلتان وصبي. الأطفال الثلاثة جميلون جداً ولهم العيون الذكية لوالدهم.
ماركس كزوج ورب عائلة, رغم طبيعته القلقة والثائرة, أكثر الناس إرهافاً وألفة.
يسكن في أسوأ وبالتالي أرخص مساكن لندن. سكنه مؤلف من غرفتين واحدة وهي الصالون تطل على الشارع, وخلفها غرفة النوم.
في كل أرجاء البيت لا تجد قطعة أثاث نظيفة وجيدة, كل شيء مكسّر, ممزق ورث. في كل مكان علق غبار بسماكة الإصبع, فوضى بالغة في كل مكان. في منتصف الصالون طاولة قديمة ضخمة ذات غطاء مشمّع, عليها مخطوطاته, كتبه وجرائده, ثم لُعب الأطفال وقصاصات الأقمشة من آلة الخياطة للزوجة. إلى جانبها كؤوس الشاي المكسّرة الأطراف. ملاعق وسخة, سكاكين, شوك, شمعدان, محابر, كؤوس الشرب, غليون هولندي من الفخار, رماد التبغ, وكل هذه الكراكيب متراكمة فوق بعضها البعض. كل ذلك موجود على طاولة واحدة (...).
إذا دخل المرء بيت ماركس يغمر عينيه دخان الفحم الحجري والتبغ, حتى أنه في اللحظات الأولى عليه أن يتحسس طريقه وكأنه يدخل كهفاً, إلى أن يعتاد النظر بالتدريج على ذلك, فيستطيع أن يتبين من خلل الضباب بعض الأشياء.
كل شيء وسخ, كل شيء يكسوه الغبار. الجلوس مسألة ذات خطر حقيقي. هنا كرسي يقف على ثلاثة أرجل, وهناك يلعب الأطفال على كرسي آخر ما زال بالصدفة سليماً, يحملونه للضيف القادم دون أن ينظفوه مما طبخ عليه الأطفال, وإذا ما جلست تجازف بسروالك.كل ذلك لا يربك ماركس وعقيلته أبداً.
يستقبلون المرء بألطف ما يكون, ويحملون إليه الغليون والتبغ وأشياء أخرى مما هو موجود بحرارة وود خالصين. حديثهم الخفيف الروح والممتع يعوض أخيراً جزئياً عن عيوب البيت, ويجعل هذه العيوب محتملة, حتى أن المرء يتآلف مع هذه الجماعة ويجدها ممتعة حتى أنها أصيلة.
هذه هي الصورة الصادقة للحياة العائلية لزعيم الشيوعيين ماركس".
وقبل أكثر من عشر سنوات من هذا التقرير كتب موسِس هسّْ في رسالة له إلى برتولد أورباخ في 2 أيلول 1841 ما يلي:
"ستبتهج إذ تتعرف هنا على رجل هو الآن أيضاً من عداد أصدقائنا, مع أنه يعيش في "بون", حيث سيصبح أستاذ جامعة قريباً (*).
(...) إنه ظاهرة نادرة, ترك في نفسي انطباعاً هائلاً, رغم أنني أتحرك في ذات الحقل الذي يعمل فيه, باختصار يمكنك أن تهيء نفسك للتعرف على أعظم فيلسوف, وربما الفيلسوف الحقيقي الوحيد الآن بين الأحياء, والذي سيلفت أنظار ألمانيا إليه, حيث سيظهر على الملأ قريباً (بكتاباته أو على منصة التدريس).
إنه يفوق, سواء بنزعته أم بثقافته الفلسفية, ليس فقط شتراوس, بل أيضاً فيورباخ, وهذا الأخير يعني الكثير!
لو كان في وسعي أن أكون في "بون" عندما يحاضر في علم المنطق, لكنت من أكثر مستمعيه دأباً. لقد تمنيت دائما مثل هذا الرجل كمعلم لي في الفلسفة (...).
دكتور ماركس, هذا هو اسم معبودي. ما زال شاباً يافعاً (حوالى 24 سنة على الأكثر), وهو الذي سيوجه الركلة الأخيرة لسياسة ودين القرون الوسطى.
إنه يمزج بين جدية العمق الفلسفي والسخرية اللاذعة. تخيل فولتير, هولباخ,لسينغ,هاينه وهيغل متحدين في شخص واحد, أقول متحدين وليس مرميين سويةفي وعاء, تحصل على دكتور ماركس".
(*): في 15 نيسان 1841 حصل ماركس على لقب دكتوراه في الفلسفة, وسافر بعد ذلك بعدة شهور - في تموز - إلى "بون" حيث كان يطمح آنذاك بالحصول على كرسي تدريس في جامعة بون, وأقام هناك عند صديقه "برونو باور", الذي كان يحاضر في الجامعة, حتى ك1 1841.
في هذه الفترة تعرّف موسس هس في رحلة له إلى "بون" على كارل ماركس.
ترجمة وإعداد: د. عبدو زغبور
"قائد هذا الحزب (الحزب الشيوعي) هو كارل ماركس, مساعدوه هم : أنجلس في مانشيستر (...), فراليجرات وفولف, يدعى أيضاً لوبوس, في لندن, هاينه في باريس, فايديماير وكلوس في أمريكا. أما بيرجرس ودانيال فقد كانا في كولونيا, وفيرت في هامبورغ. كل هؤلاء هم أعضاء عاديون, لكن العقل المبدع والفاعل, روح الحزب هو ماركس. لذا أريد أن أعرفكم على شخصيته عن قرب:
ماركس متوسط القامة, عمره 34 سنة, بدأ الشيب يخط شعره رغم عمره الفتي. بنيته قوية, ملامح وجهه تذكر كثيرا بسيزمر (Szemere) (ثوري هنغاري), لونه فقط أكثر سمرة, شعره أسود وكذلك لحيته, وهذه الأخيرة لا يحلقها البتة.
لعينيه الناريتين النافذتين, عينيه السوداوين الكبيرتين شيء ما جني ساحر, يلاحظ المرء من اللحظة الأولى عبقريته وطاقته الهائلة. تفوقه العقلي والروحي يمارسان قوة جذابة لا تقاوم على محيطه. مهمل للغاية في حياته الخاصة. إنسان ساخر, مدبر سيء لأمور البيت, يعيش حياة غجرية حقيقية. (Il mene une vie a la bohemian de l intelligence).
غسيل, تمشيط, تبديل ملابس من المسائل النادرة عنده. ينتشي بمتعة, يسترخي مراراً أياماً بطولها, لكن إذا كان لديه عمل كثير فيعمل ليلاً نهاراً بدأب وبلا. لا يوجد عنده أوقات محددة للنوم والاستيقاظ. كثيراً ما يبقى ليالي بطولها دون نوم, ثم يستلقي ظهراً بكامل ثيابه على الكنبة وينام حتى المساء غير مهتم بما يجري حوله بحرية من حركة دخول وخروج.
زوجته هي أخت الوزير البروسي فون فستفالن. امرأة مثقفة ولطيفة جداً.ومن جرّاء حبها لزوجها, اعتادت على حياة الغجر هذه, وتآلفت مع هذا البؤس الذي تعيشه مع زوجها. لها طفلتان وصبي. الأطفال الثلاثة جميلون جداً ولهم العيون الذكية لوالدهم.
ماركس كزوج ورب عائلة, رغم طبيعته القلقة والثائرة, أكثر الناس إرهافاً وألفة.
يسكن في أسوأ وبالتالي أرخص مساكن لندن. سكنه مؤلف من غرفتين واحدة وهي الصالون تطل على الشارع, وخلفها غرفة النوم.
في كل أرجاء البيت لا تجد قطعة أثاث نظيفة وجيدة, كل شيء مكسّر, ممزق ورث. في كل مكان علق غبار بسماكة الإصبع, فوضى بالغة في كل مكان. في منتصف الصالون طاولة قديمة ضخمة ذات غطاء مشمّع, عليها مخطوطاته, كتبه وجرائده, ثم لُعب الأطفال وقصاصات الأقمشة من آلة الخياطة للزوجة. إلى جانبها كؤوس الشاي المكسّرة الأطراف. ملاعق وسخة, سكاكين, شوك, شمعدان, محابر, كؤوس الشرب, غليون هولندي من الفخار, رماد التبغ, وكل هذه الكراكيب متراكمة فوق بعضها البعض. كل ذلك موجود على طاولة واحدة (...).
إذا دخل المرء بيت ماركس يغمر عينيه دخان الفحم الحجري والتبغ, حتى أنه في اللحظات الأولى عليه أن يتحسس طريقه وكأنه يدخل كهفاً, إلى أن يعتاد النظر بالتدريج على ذلك, فيستطيع أن يتبين من خلل الضباب بعض الأشياء.
كل شيء وسخ, كل شيء يكسوه الغبار. الجلوس مسألة ذات خطر حقيقي. هنا كرسي يقف على ثلاثة أرجل, وهناك يلعب الأطفال على كرسي آخر ما زال بالصدفة سليماً, يحملونه للضيف القادم دون أن ينظفوه مما طبخ عليه الأطفال, وإذا ما جلست تجازف بسروالك.كل ذلك لا يربك ماركس وعقيلته أبداً.
يستقبلون المرء بألطف ما يكون, ويحملون إليه الغليون والتبغ وأشياء أخرى مما هو موجود بحرارة وود خالصين. حديثهم الخفيف الروح والممتع يعوض أخيراً جزئياً عن عيوب البيت, ويجعل هذه العيوب محتملة, حتى أن المرء يتآلف مع هذه الجماعة ويجدها ممتعة حتى أنها أصيلة.
هذه هي الصورة الصادقة للحياة العائلية لزعيم الشيوعيين ماركس".
وقبل أكثر من عشر سنوات من هذا التقرير كتب موسِس هسّْ في رسالة له إلى برتولد أورباخ في 2 أيلول 1841 ما يلي:
"ستبتهج إذ تتعرف هنا على رجل هو الآن أيضاً من عداد أصدقائنا, مع أنه يعيش في "بون", حيث سيصبح أستاذ جامعة قريباً (*).
(...) إنه ظاهرة نادرة, ترك في نفسي انطباعاً هائلاً, رغم أنني أتحرك في ذات الحقل الذي يعمل فيه, باختصار يمكنك أن تهيء نفسك للتعرف على أعظم فيلسوف, وربما الفيلسوف الحقيقي الوحيد الآن بين الأحياء, والذي سيلفت أنظار ألمانيا إليه, حيث سيظهر على الملأ قريباً (بكتاباته أو على منصة التدريس).
إنه يفوق, سواء بنزعته أم بثقافته الفلسفية, ليس فقط شتراوس, بل أيضاً فيورباخ, وهذا الأخير يعني الكثير!
لو كان في وسعي أن أكون في "بون" عندما يحاضر في علم المنطق, لكنت من أكثر مستمعيه دأباً. لقد تمنيت دائما مثل هذا الرجل كمعلم لي في الفلسفة (...).
دكتور ماركس, هذا هو اسم معبودي. ما زال شاباً يافعاً (حوالى 24 سنة على الأكثر), وهو الذي سيوجه الركلة الأخيرة لسياسة ودين القرون الوسطى.
إنه يمزج بين جدية العمق الفلسفي والسخرية اللاذعة. تخيل فولتير, هولباخ,لسينغ,هاينه وهيغل متحدين في شخص واحد, أقول متحدين وليس مرميين سويةفي وعاء, تحصل على دكتور ماركس".
(*): في 15 نيسان 1841 حصل ماركس على لقب دكتوراه في الفلسفة, وسافر بعد ذلك بعدة شهور - في تموز - إلى "بون" حيث كان يطمح آنذاك بالحصول على كرسي تدريس في جامعة بون, وأقام هناك عند صديقه "برونو باور", الذي كان يحاضر في الجامعة, حتى ك1 1841.
في هذه الفترة تعرّف موسس هس في رحلة له إلى "بون" على كارل ماركس.
ترجمة وإعداد: د. عبدو زغبور
منشور بقسم
تقارير وأبحاث